الثلاثاء، 27 ديسمبر 2016

إشارة : نحن ، وإعلام الإفك !

مقالة ( إشارة ) للشاعر محمد شريم التي نشرها الموقع الإلكتروني لجريدة ( الحدث ) اليوم الثلاثاء 27/12/2016 .
[ لقراءة المقالة من موقع الحدث ، يرجى الضغط على الرابط الوارد تحت النصّ مباشرة ] 
     
-------------------

      إشارة :
                              نحن ، وإعلام الإفك ! 

                                                     بقلم : محمد شريم


       تتميز هذه الأيام في مشرقنا العربي بتتابع الأحداث وتتاليها، وخاصة بعد الرياح الهوجاء التي عصفت بهذه المنطقة منذ العام 2011 فيما كان يدعى بالربيع العربي، قبل أن نجعله ـ نحن ـ بأيدينا خريفاً!

      وتتابع الأحداث يرافقه بالضرورة ارتفاع في وتيرة عمل وسائل الإعلام، المحلي والدولي، وذلك لنقل الأخبار من خلال المقاطع المرئية والنصوص المسموعة والمطبوعة، وكلما ارتفع مؤشر الأحداث هنا أو هناك ترتفع معها حمى التعليقات والتحليلات في وسائل الإعلام هذه، حتى يصاب المواطن الذي يتابعهابالصداع !

       ووسائل الإعلام بشكل عام، من الصعب أن تكون بريئة، أي موضوعية، بنسبة تامة في نقلها للأحداث، على الأقل لأن القائمين عليها هم من البشر، ولا شك أن الفكر أو الهوى يجنح بهم ذات اليمين أو ذات الشمال أثناء نقل الأحداث أو تحليلها أو التعليق عليها، ومع هذا فإن المراقب لوسائل الإعلام يمكنه بسهولة أن يقسمها إلى قسمين : القسم الأول، وسائل الإعلام الموجودة في الدول المتقدمة في مجال الديمقراطية، وهذه غالباً ما تكون هي الأقرب إلى الموضوعية، وهي بحكم الواقع تساهم في التأثير على قادة تلك الدول في اتخاذ القرار، والقسم الثاني، وسائل الإعلام المتواجدة في الدول الدكتاتورية، وهي غالباً ما تكون أداة في يد الحاكم وبوقاً له، خوفاً أو طمعاً !

          وفي بلادنا العربية التي راودها الأمل في الديمقراطية وحرية التعبير ذات ( ربيع ) نجد وسائل الإعلام ـ هي في الغالب ـ  من النوع الثاني، وللأسف الشديد، فقد كانت أول من هبّ للدفاع عن الحاكم، والذي ليس من الضرورة أن يكون هو ( الرئيس )، إذ من الممكن أن يكون الحاكم الفعلي الذي يتقمص صورة الرئيس هو الجيش أو الحزب أو العشيرة، كما كانت وسائل الإعلام هذه آخر من تحدث عن الحراك الشعبي وتململ الجماهير في بداية ذلك ( الربيع ) الذي ساهمت مساهمة ـ لا تشكر عليها ـ في القضاء عليه !

       إن هذا النوع من الإعلام، والذي يطلق عليه أحياناً ( إعلام الإفك ) لأنه يحترف الكذب والافتراء والتزوير والتضليل، فيجعل الحق باطلاً، كما يلبس الباطل ثوب الحق، يؤدي دوره من خلال خطة متكاملة تشتمل على نشر ما يريد من الأخبار، ويحوّر ما يريد منها، ويحجب ما يرى أنه يدوس لسيده على طرف، ليس هذا فقط، وإنما يلجأ إلى تركيز الأضواء على أحداث بالتحليلات التي يستنطق فيها بعض المحللين ويستدرجهملتوجيه حديثهم بالطريقة التي يريدها هذا الإعلام، وفي غياب الطرف المقابل حتى لا يعطى فرصة للتعبير عن رأيه، فتكون حلقاته التحليلية والحوارية عبارة عن جلسات ( ردح ) ضد ( الفئة الباغية ) يشارك فيها الضيف والمضيف، على حد سواء، وفي المقابل ترى هذا الإعلام يلقي بظلال التجاهل على أحداث أخرى، ويجعلها بعيدة عن أن يتناولها الخبراء والمختصون بالتحليل والتأويل .

         وإعلام الإفك لا يقتصر على الإعلام الرسمي، أو الإعلام المدافع عن الحاكم فقط، بل يشمل هذا الوصف الإعلام المهاجم له أحياناً، فإن الكثير من وسائل الإعلام التي تمتلكها ( المعارضة ) أو الأطراف المتعاطفة والمتحالفة معها، تسير على نفس النهج، وتعمل بموجب ذات الخطة، ولكن بالاتجاه المغاير، ولذلك ليس من العجب أن تشاهد صورة مؤلمة أو مقطع فيديو يُدمي القلب على وسيلة إعلام معارضة أو حليفة للمعارضة وهي تقول : انظروا ماذا يقعل النظام الدموي، وأن تشاهد الصورة نفسها أو المقطع المرئي ذاته على وسيلة إعلام تابعة للنظام وهي تقول : انظروا ماذا تفعل الجماعات المجرمة!

         ومما يزيد الطين بلة في مجتمعاتنا العربية، وغيرها، أن العاقل والجاهل أصبحت له وسيلة إعلامه الخاصة، ألا وهي وسائل التفاعل المجتمعي ( التواصل الاجتماعي )، فتراه يتلقف الصورة التي تعجبه أو المشهد الذي يروق له، ويعيد نشره على صفحته الخاصة أو على الموقع الذي يديره أو المدونة التي يحررها، وهو غالباً ما يكون منقولاً من إحدى وسائل الإعلام التي تفرض سيطرتها على السّاحة الجماهيرية، بما تمتلكه من عناصر القوة، كما تفرض الجماعة المسلحة النظامية أو المعارضة سيطرتها في ميدان القتال .

           فماذا نحن فاعلون في مثل هذا الواقع يا ترى ؟ وما هو المطلوب منا ؟
           أرى أن المطلوب منا نحن الجماهير العربية هو أن نعمل بمسارين :
        المسار الأول، هو أن نتخيّر من وسائل الإعلام ما يمكن أن نتوقع في عملها قسطاً جيداً من الموضوعية، لتكون مصدر أخبارنا ومعلوماتنا، وأن نشجعها على تطوير نهجها الموضوعي في تناول الأحداث، لأنها بهذا النهج تقدم الخدمة الكبرى للجماهير، فالجماهير ما يهمها هو الحقيقة، لتوجه بوصلتها بناء عليها، وبالحقيقة أيضاً تردّ وسائل الإعلام الحاكم والمعارض إلى جادة الصواب، إذا أوشك أي منهما على تجاوزها، كما ترشد كلاً منهما ولو بشكل غير مباشر إلى النهج القويم والطريق المستقيم .

          أما المسار الثاني، فهو أن نمعن النظر والتفكير في كل ما يصدر عن وسائل الإعلام ( المتحاربة )، حتى تلك التي تروق لنا متابعتها لأننا نتعاطف معها فكرياً أو سياسياً، ما دام الواحد منا حريصاً على معرفة الحقيقة، فالتعاطف أساسه العاطفة، والعاطفة دون تحكيم العقل كثيراً ما تقود المرء إلى الضلال . وهذا ما يوجب علينا أن نتمثل الحديث الذي يقول : (استفتِ قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك )، وهو المعنى الذي عبر عنه الشاعر بقوله :
أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ      فاتّبعْهُ، فكلّ عقلٍ نبي !
سلمت عقولكم .
-------------------------------------------------------------------------------
رابط المقالة في الموقع الإلكتروني لجريدة ( الحدث ) :
 
http://www.alhadath.ps/article/49998/%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%86%D8%8C-%D9%88%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D9%83--%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%85-

الأحد، 25 ديسمبر 2016

لوحات : (7) العملاق والقزم !

قَدْ جَـــاءَ عِمْـلاقٌ إِلى قَــــــزَمِ       وَبِنَفْسِـــهِ شَـيءٌ مِـنَ الأَلَـــــمِ
مِنْ عِلَّـةٍ فِي العَيْنِ تُضْعِفُهــــا       وَالصَّـدْرُ مُنْقَبِـضٌ مِنَ السَّــأَمِ

لِيَقُوْلَ : يا مَحْبُوْبُ ، خُذْ بِيَديْ       فِيْ جَوْلَــةٍ ، قَدَمَــاً إِلَى قَـــدَمِ
فَأَجَابَــــهُ : لا .. لَـنْ تُرافِقَنِـيْ       إِنِّيْ لَأَخْشَــى وَخْـــزَةَ النَّــــدَمِ
فَلَسَــوْفَ أَبْـدُو حِيْنَ تَصْحَبُني       في أَعْيُنِ النُّظَّــــارِ 
 
كَالعَــدَمِ !

محمد شريم
25/12/2016

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

هي بيت لحم !

 هذه المقالة ضمن سلسلة المقالات التي تحمل اسم ( إشارة ) والخاصّة بجريدة ( الحدث ) الفلسطينية الورقية نصف الشهرية ، وقد نشرتها الجريدة في عددها الذي يحمل الرقم ( 76 ) الصادر في 20/12/2016 ـ الصفحة 16 :

( يمكن قراءة المقالة عن الجريدة المصورة من خلال الضغط على الرابط الوارد أسفل هذا المنشور ) 

--------------------------------------------------------------------

                                               هي بيت لحم 

                                                  بقلم : محمد شريم

     هي بيت لحم ! لم تزل ملكة الروح ومهبط الهوى منذ أن رَفلت بثوبها الأبيض على صهوات السُّحب لتجسد اللقاء بين الأرض والسماء ، فتكللت بالمجد المزين بأغصان الزيتون ، وأزهار الياسمين ، وأغصان الرياحين ، التي تتخللها شقائق النعمان .
أنت العروس لتلبسي الإكليلا       فالمجد جمّل دُرّه تجميــــــلا
     وكيف لا تكون مهبط الهوى ، ومحط الأعين ، وملتقى الأفئدة ، وقد تسابقت إليها أسراب اليمام بين الغمام ، لتهبط مع قطرات الندى ، فتشهد أيقونة الخصب المتجدد ما دام القمر يسحر العاشقين ، وما دامت الشمس تجري في فلكها الدوّار ، بلا انتظار .
فإذا ظننت هواي فيك تفرّداً        أدركتُ كم لي في الأنام مثيلا !
     هي ملهمة الأدباء ، ومدرجة الإبداع ، وقيثارة الشعراء ، منذ أن تربعت على تلة الحضارة مع انبثاق التاريخ ، تضاحك الشمس في الصباح على حافة الصحراء ، ولهذا ، تجد أنفاسها الحرّى تجري في ( مزامير داوود ) وعصافيرها تزقزق على ألحان أوغسطين لاما ، وتلحظ طرقاتها تجري مع أقدام جبرا إبراهيم جبرا في بئره الأولى !
يا بيت لحم أبث فيك صبابة         شعراً يساجل لحنه الأرغـــــولا
     هي بيت لحم إذن ! حيث يبدأ التاريخ من جديد ، وتعيد أنهار الفكر ترقرقها ، وتبشر أيائل الحضارة بموسم خصب آخر ، فتخطُّ يد الهداية خريطة المجد ، وترسم ريشة الإيمان أيقونة السلام ، وتنشد حناجر المؤمنين نشيد المسرّة .
أولستِ من هدت الخليقة حينما      أمست تلاحق أفقها المجهولا؟!
     في بيت لحم ينير سراج السماء فجاج الأرض ، وتمتزج الثريا بالثرى ، وترى نجوم السماء تتقافز بين أقدام الصبايا الجميلات ، وتتبدى الملائكة لتعلن بشارة الأمل ، وتتقدم النبوة لتخرج من عباءة الطهارة .
لله درك كيــــف بددت الدجـــى       وكشفت ستر الظلمة المسدولا
حين ارتضاك الله أرض طهارة       فأتتك مريم للمخاض بتـــــولا!
     على تراب بيت لحم ، يمكن لوالدة ضعيفة أن تهزّ إليها بجذع النخلة لتساقط عليها رطباً جنياً ، فتتذوق حلاوتَها البشريةُ على مدى الأزمان ! وفي مغارتها أيضاً يمكن أن يسدل الله ستار حفظه ، وحجاب أمنه ، على رضيع في مذوده ، ترتجف عليه والدته خوفاً من بطش هيرودس ، فيباركه الله ببركته ، ويجعله هو وأمه آية للعالمين !
هذا المسيح مبارك في مهــــده      والله بارك في الورى الإنجيــــلا
     وفي بيت لحم أيضاً ، تقرأ سفراً يروي فيه التاريخ أحداثاً وردية كحكايات الجدّة للأطفال ، عن رهبان يدعون الفاتح ليصلي في كنيستهم ، فيخشى عليها من عسف أتباعه في قادم الأعوام ، كما تقرأ في سفرها هذا عن كنيسة تهب الأرض لمسجد كي يجاورها بسلام ووئام !
وغدوت أرض المهد دار تعايش     حتى وإن قرع الغزاة طبـــــــولا
      وفي ساحات بيت لحم ، وأزقتها العتيقة ، يمكنك أن تتفيّأ رغم قسوة الزمان ظلال الأمن والأمان ، وأن تتنفس إن جئتها شريداً طريداً الصعداء ، وما تلبث أن تحتويك وتحتويها ، فتسري فيك ، وتتشبث بها ، فتصبح قبل أن يرتد إليك طرفك واحداً من أهلها !
كم جاء ساحـك خائف فأجرتـــه      وحضنت في ظل الأمان نزيـــــلا
       هي ذي بيت لحم ، لها وبها ومنها وفيها السلام !




رابط جريدة الحدث المصورة :
http://www.alhadath.ps//files/image/2016/12/20/Alhadth-Issue76.pdf

الجمعة، 16 ديسمبر 2016

الشاعر شريم يشارك الأدباء التوقيع بمكتبة بيت جالا

     شارك الشاعر محمد شريم عدداً من الكتاب والشعراء حفل التوقيع الجماعي الذي نظمته جمعية رعاية الطفل في بيت جالا في مكتبة بلدية بيت جالا العامة عصر أمس الخميس 15/12/2016 بحضور رئيس البلدية نيقولا خميس ومسؤولي الجمعية والمكتبة وجمع من المهتمين .
     وقد تحدث الشاعر شريم  في المدّة المخصصة له خلال اللقاء بإيجاز عن مسيرته الإبداعية الطويلة ، الممتدة منذ العام 1979 وحتى إصدار كتابه ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ) في العام 2015 للميلاد .





الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

هل تحقق لنا ( الغدُ ) و(مجدهُ المُخلَّدُ ) ؟

هذه المقالة ضمن سلسلة المقالات التي تحمل اسم ( إشارة ) والخاصّة بجريدة ( الحدث ) الفلسطينية الورقية نصف الشهرية ، وقد نشرتها الجريدة في نسختها الإلكترونية بتاريخ اليوم  14/12/2016 م .

------------------------------------------------------------------------------------------
* يمكن قراءة المقالة عن موقع ( الحدث ) من خلال الضغط على الرابط الوارد أسفل هذا المنشور *
------------------------------------------------------------------------------------------

هل تحقق لنا ( الغدُ ) و(مجدُهُ المُخلَّدُ ) ؟ 

                                            بقلم: محمد شريم


           كم كنا نشعر بالسعادة والفخار ، والأمل في المستقبل ، ونحن ننشد في الصفوف المدرسية الدنيا النشيد ( نحن الشباب ) ! ذلك النشيد  الذي كتبه الشاعر اللبناني بشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) في منتصف القرن الماضي ، ورددته من بعده الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج حقبة من الزمن ، بل إنها ما زالت تردده !
         ( نحن الشباب لنا الغدُ ، ومجدُه المُخلّدُ ) ، هذه الكلمات ما زالت باقية ، خالدة  في نفوسنا والذاكرة ، ولكن هل تحقق لنا ( الغدُ ) الموعود و( مجدُهُ المُخلّدُ ) ؟ أشك في ذلك ، كما يشك الكثيرون من الذين أنشدوا معي . لماذا ؟ لأن المتأمل في حال الأمة المتردي في كافة المجالات والميادين في هذه الأيام ـ وهي الغد الذي وعدنا به النشيد ـ  يدرك أن هذا ( الأمل ) لم يتحقق و( المجد ) لم يُخلَّد . فما السبب في ذلك يا ترى ؟ يعود السبب ـ كما أرى ـ إلى عوامل عدة لا مجال لذكرها الآن ، ولكنني سأشير إلى عامل واحد منها ، وهو موضوع حديثنا في هذه المقالة .
        إن أولي الأمر في ذلك الحين ، وإن تنبهوا إلى وضع النشيد في مقرراتنا المدرسية ، فإنهم قد اكتفوا بذلك ، ولم يعملوا بموجبه ، أي أنهم لم يعدّوا الشباب ليكونوا هم بناة المستقبل ورافعو لوائه ، وأنا هنا لا أغفل التعليم الذي حرصت عليه الحكومات بحده الأدني وضمن الإمكانيات المتاحة ـ إذا التمسنا لها العذر ـ ولكن ما أقصده هنا هو أنها لم تشجع المتعلمين ، الشباب ، على صقل مواهبهم ، ولم تقم بتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك ووضعها تحت تصرفهم ، حتى يستطيع كل واحد من هؤلاء الشباب تنمية مواهبه والعمل ضمن قدراته ورغباته ، وهل من طريقة لاستخراج أجمل وأعظم ما في الإنسان من الإبداع والعطاء تفوق تحفيزه على توظيف قدراته الذهنية والنفسية والجسدية في سبيل تحقيق هذا الإبداع ؟
        وإذا آمنا بعدم جدّية هذه الحكومات في رعاية مواهب الشباب ، كما يجب ، فإن هذا يقودنا إلى التساؤل عن السبب الذي لأجله لم تقم الحكومات ـ أو لم تشأ أن تقوم ـ برعاية هذه المواهب وتوظيفها في خدمة الوطن والأمة ، بشكل ناجع ، ولكن الإجابة عن هذا التساؤل تستلزم دراسة كاملة يشارك فيها سياسيون ومؤرخون وتربويون وخبراء في الاقتصاد وعلماء في الاجتماع ، وليس مقالة كهذه ، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أقول إن عدداً من الأسباب قد اجتمعت ، وما زالت تجتمع ، بشكل جزئي أو كلي ، لتحرف الحكومات عن تبني استراتيجية رعاية مواهب الشباب ، رعاية جدية ، وهذه الأسباب منها ما أساسه اقتصادي ، ومنها ما أساسه سياسي ، ومنها ما أساسه اجتماعي أو ثقافي ، ومنها ما أساسه هو ( أكبر الكبائر ) في مجال نمو المجتمع وتطوره ألا وهو الفساد .
        ولكن إذا تحققت المعجزة ، وبحثت الحكومات العربية ـ أو غيرها ـ عن السبل المناسبة لرعاية هذه المواهب ، فكيف يتأتى لها ذلك ؟
      إن رعاية المواهب تبدأ مع الصغير منذ الطفولة ، فقد ولى ذلك الزمن الذي تبدأ فيه شاعرية الشاعر بعد سن الستين ، فالموهبة كالقطار من لم يركبه في المحطة الأولى فليس من المضمون أن يتمكن من الصعود إليه في محطة لاحقة ، وإن حدث ذلك فإن راكبه يفقد متعة الانطلاق والقدرة على أن يحيط بكافة تفاصيل الرحلة ، وقد قال العارفون : رعاية الشجرة منذ الصغر أفضل من تعهدها بالرعاية بعد أن تبلغ الكبر .
       ولكن حتى تبدأ رعاية الدولة لمواهب أبنائها هؤلاء وصقلها ، منذ الصغر ، ابتداء من  مرحلة الطفولة ، ومن ثم في مرحلة الشباب ، فإنه يجب أن يتوفر لديها عنصران رئيسان ، الأول منهما الأساس للثاني : الإرادة والإدارة . فإذا توفرت الإرادة حسُنت الإدارة ، وإذا حَسُنت الإدارة فإنها ستُحسن وضع الخطة ، فإذا أحسنتْ وضع خطة عملها ، فسيسهل عليها توفير المال والمتطلبات البشرية والمادية اللازمة للعمل والإنجاز .
      وحتى تتوفر لدينا هذه الإرادة وتلك الإدارة ، سيبقى أبناؤنا يُنشدون ، كما أنشدنا نحن من قبل : ( نحن الشباب ) ، ولكن لن يتحقق لهم ( الغدُ ) المرتجى ، ولن يتحقق ( مجدهُ المخلدُ ) كما هو مأمول !
------------------------------------------------------------------------------
رابط موقع الحدث :
   http://www.alhadath.ps/article/49294/%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%82-%D9%84%D9%86%D8%A7-(-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%AF%D9%8F-)-%D9%88-(-%D9%85%D8%AC%D8%AF%D9%8F%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8F%D8%AE%D9%84%D9%91%D9%8E%D8%AF%D9%8F-)-%D8%9F-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%85
 

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

إشارة : كيفَ يُصنع اللصوص ؟!

هذه المقالة ضمن سلسلة المقالات التي تحمل اسم ( إشارة ) والخاصّة بجريدة ( الحدث ) الفلسطينية الورقية نصف الشهرية ، وقد نشرتها الجريدة في عددها الذي يحمل الرقم ( 75 ) الصادر في 6/12/2016 ـ الصفحة 19 ـ وفي نسختها الإلكترونية بتاريخ  7/12/2016 م .
( يمكن قراءة المقالة عن الجريدة المصورة من خلال الضغط على الرابط الوارد أسفل هذا المنشور ) 
------------------------------------------------------------------------------
     بادئ ذي بدء ، وقبل أن أبدأ كتابة ما أريد التعبير عنه من خلال هذه السطور ، أودّ أن أنوّه إلى أمرين : الأمر الأول أن اللصوص الذين تتحدث عنهم هذه المقالة ليسوا أولئك الذين يسرق الواحد منهم رغيف خبز أو خزانة مصرف فقط ، ولكن المقصود بهذا التعبير هو كل من أخذ شيئاً ليس من حقه بالنهب أو بالسلب أو بالغصب أو بالسطو في غفلة من صاحب الحق ، أو في غيبة القانون أو بالتحايل عليه ، وفي إطار هذا التحديد ، فإن كل من يتعدّى على أموال الناس العامة أو الخاصة ، أو على أعراضهم أو حرياتهم المشروعة أو مؤسساتهم وما فيها من الوظائف هو في عداد اللصوص . أما الأمر الثاني ، فهو أنني أتحدث في هذه السطور عن اللصوص أينما وجدوا ، وإنه إذا وجد في وطننا الصغير ، أو في وطننا الكبير مَن على رأسه ريشة فلا داعي لأن يمسح رأسه ، وللريشة هذه حكاية سأذكرها في نهاية هذه المقالة .
     تمرُّ صناعة اللصوص في المجتمعات بمرحلتين : المرحلة الأولى هي توفير البيئة الحاضنة التي تساعد على تنامي اللصوصية وانتشار اللصوص ، وهذه المرحلة لها مظاهر منها تأليه الطواغيت ، وكثيراً ما تصنع الشعوب طواغيتها بيديها ، وأستذكر مقولة الرئيس البوسني ـ في حينه ـ بيجوفيتش عندما وصل ليصلي الجمعة متأخراً ، فأفسح له الناس الطريق إلى الصف الأول ، وعندما وصله استدار ليخاطبهم بغضب : ( هكذا تصنعون طواغيتكم ! ) ، فإذا كان إفساح المجال للصلاة يصنع الطواغيت فما بالُنا بإفساح المجال أمام من يتقدم الصفوف لقيادة الجيش مثلاً عن غير جدارة أو استحقاق ؟! وعندما يتم تأليه الطاغوت من الطبيعي أن يُغيّب القانون ، فكلامه هو القانون ، وإرادته هي الشريعة ، فإذا تم تغييب القانون انتشر الفساد ، لأن طريق الصلاح التي يحددها القانون قد اختفت معالمها ، وإذا انتشر الفساد سادت المحسوبية ، وسيادة المحسوبية تؤدي بالتأكيد إلى ضعف الإدارة لأن الأمر يُسند إلى غير أهله ، وهذا ما يؤدي إلى سوء التخطيط ، وسوء التخطيط يقود الدولة إلى الفشل ، وفشل الدولة يهبط بالجماهير إلى درك الإحباط وفقدان الأمل ! 
      أما المرحلة الثانية ، فتبدأ منذ أن تفقد الجماهير الأمل ، فإذا فقدت الأمل تكون أمام خيارين : إما أن تنقض ( العهد ) الذي بينها وبين الدولة ـ الخدمة مقابل الولاء ـ كما نقضه الطاغوت من قبل ، وهذا ليس موضوع حديثنا في هذا السياق ، أو أن يتجه كل واحد من هذه الجماهير إلى ما يمكن أن نسميه ( الخلاص الفردي ) ، أي أن يبحث عن حل مشكلاته وتحقيق غاياته بنفسه ، وأنا هنا أصف ولا أبرر ، فيجد الكثير من أفراد المجتمع أنفسهم منقادين إلى التزلف لأصحاب القرار ، وبيع الذمة لأهل النفوذ ، كما ينقادون إلى منح الولاء المطلق لأصحاب الولاية ، ومنح الولاء على هذا النحو يؤدي بالطبع إلى تثبيت الطاغوت ، وبهذا تكتمل الدائرة ، ويبقى المجتمع يسير في حلقة مفرغة ، فيصل مجتمع كهذا إلى النتيجة المتوقعة ، أو الصناعة الرائجة ، ألا وهي صناعة اللصوص بجميع طبقاتهم وبمختلف تخصصاتهم .
       ونعود إلى حكاية الريشة التي أشرت إليها في بداية المقالة . يُحكى أن رجلاً كان يربّي الإوز جاء إلى النبي سليمان يشكو إليه جاراً يسرق من إوزه ولا يعرف السارق ، فأمر النبي سليمان أن ينادى : الصلاة جامعة . فحضر الناس للصلاة دون أن يتخلف أحد ، فوقف النبي سليمان على المنبر وقال : إن أحدكم يسرق إوز جاره ثم يدخل المكان والريش على رأسه ، فمسح السارق رأسه ، فقال النبي سليمان : خذوه فهو صاحبكم ! 
------------------------------------------------------------------
رابط جريدة ( الحدث ) المصورة :
http://www.alhadath.ps/…/image/2016/12/6/Alhadth-Issue75.pdf