الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

الدكتور عوض : ما فعله الشاعر شريم لم يفعله أحد من أيام العباسيين

     

مقالة الإعلامي والأديب والأكاديمي الدكتور أحمد رفيق عوض التي تحدث فيها عن كتاب ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ) للشاعر محمد شريم ، والتي نشرها موقع ( دنيا الوطن ) في تاريخ 24/11/2016: 
-----------------------------------------------------------------------------------------

    الدكتور عوض : ما فعله الشاعر محمد شريم لم يفعله أحد منذ أيام العباسيين حتى يومنا هذا .

    الدكتور عوض : أقوى ما في هذا الكتاب هو شعرية شريم الباذخة والثرية, فهو آلة موسيقية لا تكف عن العزف, وقاموس ضخم لا ينتهي لكثرة الغرف, لا يستصعب السرد نظماً ولا يتكلف المعاني ترتيباً وعرضاً, ولا ترهقه القوافي ولا حروف الرويّ, ولا تنهكه الحكاية ولا تهلهله الرواية, شعره صافٍ رقراق سهل وكثير وفائض
-----------------------------------------------------------------------------------------

                  

            الشاعر محمد شريم في نظمه لكليلة ودمنة  


                                                              د. أحمد رفيق عوض


       ما فعله الشاعر محمد شريم لم يفعله أحد منذ أيام العباسيين حتى يومنا هذا, فقد تصدى لمهمة صعبة وغير معهودة في وقتنا الحاضر, حيث حلت تجليات الفيس بوك وتوتير محل الكتب, أما هذا الفيس بوك وكذلك التوتير وغيرها من ابداعات التكنولوجيا, التي عرفنا والتي سنعرف, فقد سرّعت وسطّحت وجرّأت وبسّطت وخلّطت وأوهمت ووهمّت ورفعت وحطت, فصارت الثقافة نوادر وفكاهات, وحلت الصورة محل الفكرة, وحلت السلعة محل الثقافة, وصارت الوسيلة أهم من الرسالة, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, ولكن هذا ليس موضوعنا, موضوعنا هو ما فعله الشاعر محمد شريم من قيامه بنظم وضبط وتدقيق وشرح وتصنيف كتاب عبد الله بن المقفع الموسوم بعنوان "كليلة ودمنة", أي حوّل هذا الكتاب الغني والثري والنثري إلى قطعة مستقية شعرية غاية في الأناقة والأناة والصبر والقُدرة على الحفر.
      وهذا فعل ينم عن جرأة محسوبة ومعرفة كامنة بالتحدي الكبير, فكتاب كليلة ودمنة كتاب صعب, إذ يتميز بالسرد المتداخل والحكاية المدورة والاسترسال في الكلام, كما أنه نص موارب ومخاتل وفيه مستويات, إذ تحتوي حكاياته وقصصه وحكمه على الكثير من الإشارات والرموز التي قُتل الكاتب بسببها, فقد كان ابن المقفع شعوبياً أو معارضاً للحكم العباسي, وكِلا الأمرين خطير, وفيهما تعريض حقيقي وظاهر بالحكم العباسي وبالعرب والثقافة العربية, كان الرجل صاحب فكر سياسي وفلسفي وجدلي, حسب مواصفات المثقف في ذلك الزمان, حيث كانت بغداد عاصمة الدنيا, ثقافة وعلماً وسياسة, وليس هذا فقط, فلغة الكتاب صعبة ومتداخلة وكثيرة الضمائر وكثيرة الاستعارات والجملة طويلة ومعقدة, ونشعر للحظة أنها تملى ولا تكتب, ففيها تكرار وفيها مرادفات واستعارات ومجازات, ولا عجب, فالنص كما ادعي, هو مليء بالإشارات والرموز المكثفة, ورغم ذلك, فإن الشاعر محمد شريم, وبطريقة بالغة الذكاء, بالغة البساطة, وبالغة الجمال والأناقة, جردّ الكتاب من كل ما حوله من شوائب وإشارات ورموز, واكتفى بظاهره فقط, اكتفى بالحكاية الممتعة المليئة بالدرامية والحركية والإثارة, ليصل إلى "جوهر الحكمة", وبرأيي أن ذلك أنقذ كتاب الشاعر محمد شريم من الاشكالات والاشكاليات, ذلك أن أقوى ما في هذا الكتاب هو شعرية شريم الباذخة والثرية, فهو آلة موسيقية لا تكف عن العزف, وقاموس ضخم لا ينتهي لكثرة ألغرف, لا يستصعب السرد نظماً ولا يتكلف المعاني ترتيباً وعرضاً, ولا ترهقه القوافي ولا حروف ألرويّ, ولا تنهكه الحكاية ولا تهلهله الرواية, شعره صافٍ رقراق سهل وكثير وفائض, وإن شابته رخاوة هنا أو ترهل هناك, فهو لضرورة الضرورة, وعندما يقول الشاعر أنه أنفق أحد عشر عاماً في وضع هذا الكتاب, فإن ذلك ظهر في الروية والصبر والأناقة والإيضاح والشرح والتصنيف والتبويب والشاعرية الراسخة والشعر المستوي والأنيق.
      وأعود لأقول أن الشاعر شريم الذي نظم كليلة ودمنة بهذا الشكل القريب والجميل والمموسق, إنما يقدم اقتراحاً جمالياً وتربوياً ولغوياً للأجيال الصغيرة في المدارس والجامعات, حيث يحفظ الشعر ويتم تذوقه من جديد, وحيث يستعين بعضاً من مكانته وقوته وشروطه التي تم الاجتراء عليها من خلال قصائد الفيس بوك, حيث كلنا شعراء ولكننا لا نعرف من هو محمود سامي البارودي أو الجواهري أو البردوني, وحيث للشعر جلال ومهابة وقانون وموسيقى, وحيث الشعر صناعة حقيقية كما هو طبع حقيقي.
        محمد شريم بهذا الكتاب يعيد إلينا ما فقدناه من نماذج المعرفة والصبر وحكمة الشعر وشعر الحكمة, نهاية أقول, شكراً لك أيها الشاعر, لقد أهديتني هدية أفرحت قلبي ومتّعت وجداني, شكراً لك.

------------------------------------------------------------------
المزيد على دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2016/11/24/993203.html#ixzz4ROC3hO1K
Follow us: @alwatanvoice on Twitter | alwatanvoice on Facebook

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق