الأحد، 29 يناير 2017

( 8 ) أنا والمطر !

طَرِبْـتُ لِأَصْـواتِ وَقْـعِ المَطَــــــرْ      وَعَزْفِ الرِّيَـــاحِ بِنَــــايِ الشَّجَــــرْ
فَطَـابَ لِـيَ الدِّفْءُ فَـوْقَ السَّريْــرِ     وَلَـذَّ لِــيَ الغَفْــــوُ قَبْــــلَ السَّحَـــــرْ
وَقَـــدْ نَاءَتِ الأَرْضُ بِالزَّمْهَريْـــرِ     وَبِالبَـــرْدِ مَـنْ فَوْقَهَـــا قَــدْ شَعَـــــرْ

فَدَقَّــتْ خَوَاطِــرُ قَلْبِـي الشَّفِيْـــــقِ     مِــنَ العَقْـــلِ بَابَ نَبِيْــــلِ الفِكَـــــــرْ
وَقَالَـتْ : سُرِرْتَ بِدِفْءِ الفِــراشِ     أَحَقّـــــاً تَكُــــونُ أَخـــــاً لِلْبَشَـــــــرْ
وَلَـمْ تَـدْعُ رَبَّــكَ مِـنْ أَجْـــلِ مَـــنْ     يُصَارِعُ في البَرْدِ ـ هَذا ـ الخَطَــرْ؟!
فَثَمَّـــةَ مَـنْ حَاصَرَتْــهُ السُّيُــــوْلُ     وَمَـنْ سَـارَ فِي الوَحْـلِ بَيْنَ الحُفَـــرْ
وَثَمَّـــــةَ مَــنْ غَالَبَتْــــهُ الرِّيَـــاحُ     وَمَـنْ بَـــلَّ أَطْرَافَــــهُ مَا انْهَمَــــرْ !
فَقُلْـتُ : أَيَــا رَبُّ أَنْـتَ اللَّطِيْــــفُ     بِأَمْـــرِكَ تَمْتَـــــدُّ كَــــفُّ القَـــــــــدَرْ
فَدَثِّـــرْ بِحِفْظِــــكَ مَـــنْ مَسَّهُــــمْ     مِـنَ البَـرْدِ سُـــوْءٌ بِشَتَّـى الصُّــــوَرْ
إِذا ابْتَــلَّ بِالغَيْــمِ بَعْــضُ الأَنـــامِ     وَقَـــدْ جَاءَهُـــــمْ بَـرْدُهُ بِالضَّـــــــرَرْ
فَلَـــذَّ لِجِسْمِــيَ دِفْءُ الفِـــــراشِ     سَأَشْعُـرُ بِالـرُّوْحِ تَحْــتَ المَطَــــرْ ! 

.

محمد شريم


27/1/2017


الأربعاء، 25 يناير 2017

إشارة : التجديد في الوزن الشعري .


مقالة ( إشارة ) للشاعر محمد شريم التي نشرتها جريدة ( الحدث ) الورقية في عددها الذي يحمل الرقم ( 78 ) الصادر يوم أمس الثلاثاء 24/1/2017 ( الصفحة 18 ) وفي الموقع الإلكتروني للجريدة .
----------------------------------------------------------------

إشارة

                التجديد في الوزن الشعري العربي



                                                            بقلم : محمد شريم


 لا يختلف اثنان ، من أصحاب المنهج العلمي ، في حقيقة أن العلوم الدنيوية ، في العادة ، وما يتعلق بها من آراء ونظريات وقواعد لا تحيط بها أية هالة من القدسية ، بل هي قابلة للتعديل أو التبديل أو التطوير ، بناء على المنهج العلمي أيضاً ، ووفق ما تقتضيه الحاجة ، وبضمن ذلك علوم اللغة والأدب والشعر .
والوزن الشعري العربي التقليدي ، والذي يتضمنه علم العروض ، يرى الكثيرون أنه لا يخرج عن هذا الإطار من التفكير ، بل إنه قابل للتعديل والتطوير ، وأن القيمة التراثية التي يحملها لا تشكل أية حصانة تمنع عنه نظرة التطوير أو يد التعديل . فالوزن الشعري مرّ بمراحل من التطور قبل أن يصل إلى ما وصل إليه في زمن واضع علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فالبحور الشعرية ـ كما أرى ـ لم تأت على لسان شاعر واحد وفي لحظة شعرية واحدة ، وكذلك الصور المختلفة لتفعيلات هذه البحور.
وانطلاقاً من هذه النظرة ، فإن الشعراء لم يقفوا عند حدود صور البحور الشعرية التي حددها الخليل ، بل تجاوز الكثير من كبار الشعراء وصغارهم هذه الحدود ، ووضعوا لأشعارهم ، القوالب الموسيقية التي قد تفوق ما حدده الخليل عذوبة وجمالاً ، وذلك بعد أن أدخلوا بعض التعديل والتطوير على الصور التي وضعها ، وهو ما يمكن أن نسميه ( التجديد ) .
ولم يكن النقاش في هذا الأمر ، أي التجديد ، وليد هذا العصر ، بل إن النقاش فيه كان من قديم الزمان ، منذ أن قال أبو العتاهية ذات يوم : ( أنا أكبر من العروض ! ) ، ولربما قبل ذلك ، ومع هذا ، فقد ناقش هذا الأمر بعض دارسي العروض في هذا الزمان ، ومنهم د. شعبان صلاح ، في كتابه ( موسيقى الشعر بين الاتباع والابتداع ) ، حيث أورد في كتابه الكثير من الأمثلة على ما أدخله الشعراء من تطوير على بحور الشعر بصورها الخليلية ، ومن هؤلاء على سبيل المثال أبو العتاهية الذي أدخل علة ( التذييل ) على بحر الكامل التام ، والتي يمكن أن تكون في الصور التقليدية للبحر في مجزوء الكامل وليس في التام ، كما تحدث د. شعبان عن إدخال هذه العلة على بحر الرجز المجزوء من قبل بعض الشعراء ، ومنهم كامل الشناوي ، علماً أن ( التذييل ) في علم العروض لا يدخل على بحر الرجز ، وأنا من الذين استحسنوا علة التذييل في هذين البحرين ، وكانت لي تجربة أراها ناجحة في بعض ما كتبت ، حين أدخلت هذه العلة على الكامل التام ، واجتهدت بإدخالها على الرجز التام أيضاً.
وعندما تطلق لناظريك العنان لتتبع آراء دارسي بحور الشعر وعلم العروض تجد أن بعضهم لم يقف فقط عند إدخال هذا التعديل أو ذلك التطوير هنا أو هناك ، من قبل بعض الشعراء ، كتلك الصور ( غير التقليدية ) لبحر الوافر مثلاً ، أو لبحر الكامل ، وغيرهما من البحور ، والتي أوردها الأستاذ أحمد فراج العجمي في كتابه ( توليد بحور الشعر العربي ) ـ ولا أتحدث عن شعراء التفعيلة فذلك أمر آخر ـ بل تعدى بعض دارسي بحور الشعر ذلك ليتحدثوا عن رؤيتهم الخاصة بتطوير الوزن الشعري ، ومثال ذلك ما طرحه الأستاذ العجمي في كتابه سابق الذكر من آراء ، والتي يسميها ( طريقتي التوليدية ) ، وهي الطريقة التي بموجبها يرى مؤلف الكتاب أن من الممكن لنا أن نولد (374) صورة لبحر الوافر ، و( 2820) صورة لبحر الكامل ، لم يتردد في إدراجها في عدد من صفحات الكتاب .
إن الحديث عن هذه ( الطريقة ) ، وعن الذي ورد بموجبها من الصور ( المقترحة ) من قبل العجمي لا يعني بالضرورة أن نأخذ بها جميعها ، ولا أن نأخذ ببعضها أيضاً ، ولكن قيمة ما طرحه الرجل ـ فيما أرى ـ تكمن في أنه أراد بطريقة يراها علمية أن يهدم حاجز الخوف الذي قد يحرم الشعراء من ( ممارسة حقهم في التجديد والابتكار ، وفي اختيار الثوب النغمي الذي يلبسونه قصيدتهم ) ، فبهذا الحرمان ( نقيد أفق علم العروض العربي عن التنظير والقياس والإبداع والتجديد ) .
ومع هذا فإن على الشاعر أن يدرك أن هذه الآراء لا تعني أن نبرر للشاعر عجزه عن النظم وفق بحور الشعر بصورها الخليلية المعروفة ، كما أنها لا تشكل رخصة للشاعر ليتجاوز من خلالها عروض الشعر العربي وقواعده وأصوله ، ولكنها تعني أن من حقه البناء على هذه القواعد بما يتلاءم معها ، والتفريع من هذه الأصول ما يمكن أن يتفرّع منها . 

------------------------------------------------------
لقراءة المقالة عن موقع الحدث :
http://www.alhadath.ps/…/image/2017/1/24/Alhadth-Issue78.pdf






















                                                                                                  لوحة التحليل الصوتي للبيتين هدية كريمة للشاعر من الأستاذ الجليل خشان خشان .

الخميس، 19 يناير 2017

إشارة : هل سنحرق السفن ؟

مقالة ( إشارة ) للشاعر محمد شريم التي نشرها الموقع الإلكتروني لجريدة ( الحدث ) بتاريخ 18/1/2017 .
[ لقراءة المقالة من موقع الحدث ، يرجى الضغط على الرابط الوارد تحت النصّ مباشرة ] 

--------------------------------------------------------------
إشارة
                          هل سنحرق السفن ؟
                                                               بقلم : محمد شريم

          ما هي إلا أيام تلك المدة التي تفصلنا عن اليوم الموعود، وهو الذي يقضّ مضاجع الكثير من زعماء المنطقة العربية وكبرائها، وأولهم الأصدقاء المقربون على الدوام من الحمار الأمريكي وشقيقه الفيل، ولكنهم هذه المرة ـ كما لم يكونوا من قبل ـ يتخوفون من وطأة الفيل الذي يلوّح بخرطومه للعرب من شر اقترب وهو يحمل الرئيس المنتخب ترامب إلى البيت الأبيض.
         ونحن كفلسطينيين ، نحتاج إلى مقياس دقيق لنستطيع التمييز بين السيء والأسوأ منهما، أي بين الحمار والفيل، فكم من المرات قد أشبع الأول قضيتنا رفساً، وكم من الأوقات قد تناولها الثاني بخرطومه الطويل ليضرب بها الأرض.

 ولكن ما يميز هذه الجولة مع الفيل الأمريكي ـ والذي هو رمز الحزب الجمهوري كما تعلمون ـ أن القادم على ظهره إلى البيت الأبيض هو أقرب إلى حلبة المصارعة منه إلى ميدان السياسة ، ولذلك بدأ يلوح بعصاه الغليظة قبل أن يتربع على مقعده الوثير، ومن جملة التلويحات تلك التصريحات التي وعد فيها بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والذي يعتبر اعترافاً ـ صريحاً ـ بضم القدس إلى ( إسرائيل ).

 واستباقاً لخطوة كهذه، فقد تناقلت بعض وسائل الإعلام أخباراً عن نية رسمية فلسطينية، بأن تسحب منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بـ ( إسرائيل ) إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ نقل السفارة، وهو الأمر الذي سبق لأمريكا أن اتخذت قراراً بشأنه عام 1995، ولكن الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين يوقعون على مراسيم بتأجيل التنفيذ .

           ولكن ما الذي يكون عليه الحال، لو نفذ ترامب نيته، وأقدمت منظمة التحرير على هذه الخطوة، وسحبت اعترافها بـ ( إسرائيل ) الذي حصلت عليه الأخيرة في اتفاقية أوسلو ؟

            أعتقد أننا سوف نكون أمام ثلاثة احتمالات:

        الاحتمال الأول: هو سحب الاعتراف الفلسطيني الرسمي بـ ( إسرائيل )، والعودة إلى الحالة التي كنا عليها قبل اتفاقية أوسلو ( أي الحالة الثورية )، وذلك لا يعني بالضرورة الإقدام التلقائي على حل السلطة من قبل أصحاب القرار في الجانب الفلسطيني .

         الاحتمال الثاني: هو أن يتم سحب الاعتراف اسمياً ـ أو لفظياً فقط ـ كبادرة احتجاج عابرة، ويستقبلها الطرف الآخر بالكثير من التذمّر والقليل من ( التعقّل )، فلا يركب رأسه باتخاذ خطوات لا تحسب عقباها، وهذا يعني أن كلاً من الطرفين يفضل المحافظة على الوضع القائم، فالطرف الفلسطيني يبرر ذلك بالمحافظة على ( المشروع الوطني ) المتعثّر، أو ما تبقى منه، والطرف الآخر يلجأ إلى كظم غيظه للمحافظة على ما حصل عليه في ( أوسلو ) وما بعدها من المكاسب .

 الاحتمال الثالث: أن يقوم الجانب الفلسطيني بسحب الاعتراف بـ ( إسرائيل )، فتردّ على ذلك بالإعلان عن إجراءات ضد مناطق المدن الفلسطينية ( مناطق أ )، وقد يرافق ذلك إلغاء بعض الصلاحيات التي حولت للسلطة وبعض الامتيازات التي يتمتع بها بعض المسؤولين فيها.
         فإذا سارت الأمور باتجاه الاحتمالين الأخيرين، فإن الأوضاع تكون ما زالت من الناحية العملية تحت سقف ( أوسلو )، وخاصة أن سحب الاعتراف لا يتم إلا بعد المصادقة عليه من المجلس الوطني الفلسطيني، والذي يحتاج إلى وقت لانعقاده تحدده ضرورة استكمال الإجراءات ، وهذا ما يعطي الفرصة لكلا الطرفين للعب في المنطقة الرمادية الواقعة بين الاعتراف وسحب الاعتراف ، قبل انعقاد المؤتمر، وهو الأمر الذي يتيح الفرصة أمام ( الوسطاء ) من عرب وعجم للتهدئة وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل معركة ( سحب الاعتراف )، وعلى الأغلب دون التطرق إلى الموضوع الذي أشعل عود الثقاب، من الأساس، وهو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الذي يصبح مع تتابع الأحداث نسياً منسياً !
         أما إذا سارت الأمور باتجاه الاحتمال الأول، وهو سحب الاعتراف والعودة إلى ما كنا عليه قبل ( أوسلو )، فإن ذلك يذكرنا بما فعله القائد طارق بن زياد عندما أحرق سفنه على أبواب الأندلس، حتى يقطع على نفسه وعلى جيشه طريق العودة، فهل سنحرق نحن سفننا ؟
----------------------------------------------
https://www.alhadath.ps/article/51355/%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9--%D9%87%D9%84-%D8%B3%D9%86%D8%AD%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%86-%D8%9F--%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%85

إشارة : عن التطبيع الثقافي ومعركة الهوية !

مقالة ( إشارة ) للشاعر محمد شريم التي نشرتها جريدة ( الحدث ) الورقية وموقعها الإلكتروني يوم الثلاثاء 10/1/2017 .

[ لقراءة المقالة من موقع الحدث ، يرجى الضغط على الرابط الوارد تحت النصّ مباشرة ] 


--------------------------------------------------------------

إشارة
                 عن التطبيع الثقافي ومعركة الهوية !
                                                               محمد شريم


            منذ كان الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين ، وفي إطار محاولة السيطرة على الأرض وتهوديها ، كان هذا الاحتلال ـ في سبيل تحقيق هذا الهدف ـ يسير في خطين متوازيين : الأول فرض الوقائع على الأرض بقوة السلاح ، والثاني محاولة إضفاء الشرعية على وجوده ، من خلال الترويج لمصطلح ( التعايش ) والذي يفيد من الناحية اللغوية ( المشاركة في المعيشة ) بين طرفين.
       وحتى تتحقق المشاركة في المعيشة ، كان لا بد من إيجاد التقبل النفسي لهذه (الشراكة) لدى الطرف المقابل من ناحية ، وربطه بمؤسساته من ناحية أخرى ، وذلك من خلال ما اصطلح على تسميته بـ ( التطبيع ) ، أي جعل العلاقة طبيعية بين القوة المحتلة والشعب الواقع تحت الاحتلال ، وهذا ما بدأ بعد النكبة بقليل مع الفلسطينيين الذين صمدوا داخل الخط الأخضر عام 1948 ، والذين استمروا تحت الحكم العسكري حتى العام 1966 ، ليحل محلهم في هذا الواقع الفلسطينيون والعرب الذين صمدوا على الأرض المحتلة في العام الذي سمي بعام النكسة ( أي العام 1967) .
         والمتتبع لهذا الأمر ، يجد أن محاولات التطبيع لم تقف عند هذا الحد ،بل أخذت طريقها إلى البلدان العربية ، والأنظمة فيها على وجه الخصوص ، بعد توقيع معاهدة السلام مع مصرعام 1979، ولكن نتائج هذه المحاولة كانت محدودة النطاق لاعتبارات كثيرة ، ولكنها أخذت زخماً بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، وكأن هذه الاتفاقية قد أعطت بعض العرب المبرر ليقتربوا جهراً أو سراً من ( تطبيع العلاقة مع إسرائيل )!
        والحقيقة ، أن الشغف الإسرائيلي بالتطبيع لم يتوقف عند حدود تطوير العلاقة ببعض الأنظمة ، من خلال ترتيب اللقاءات معها في المحافل الدولية ، أو الإقليمية ، أو بالتبادل التجاري ـ أو الغزو التجاري بمعنى أدق ـ ولكنه أخذ الجانب الأخطر ، وهو الشغف بتطوير العلاقات الثقافية مع الجانب العربي ابتداء من القلعة الفلسطينية ، فالقبول الثقافي هو الأهم بالنسبة للحركة الصهيونية ، ما دامت المعركة على أرض فلسطين من الأساس هي معركة ( هوية ) .
       وبناء على ذلك ، كان لا بد للأوساط الثقافية الفلسطينية والعربية أن يكون لها موقف واضح تجاه هذه المسألة التي لا تحتمل المناورة لدى المثقف، كما يفعل السياسي ، فالتطبيع ( الثقافي ) هو بالضرورة مساومة على الهوية ، والمساومة على هوية الأرض هو انتحار ثقافي لا يمكن قبوله ، ويزداد الطين بلة إذا كان التطبيع مجانياً ، كالذي نشاهده بين الحين والآخر ، سواء من قبل بعض أبناء فلسطين أو من العرب الآخرين .ومع هذا فإنه يمكن لنا أن نعمل على تسخير الجهد الثقافي في معركتنا على الهوية من خلال ما أطلق عليه البعض ( الإنزال خلف خطوط العدو ) ، وذلك من خلال المشاركة في لقاءات تتم على أساس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف ، كتلك اللقاءات التي كانت تشارك فيها المؤسسات الثقافية الفلسطينية الوطنية قبل إبرام اتفاقية أوسلو ، أثناء الالتحام المباشر ـ على جميع الأصعدة ـ مع الاحتلال .
       لقد كانت لي وجهة نظر ، بخصوص هذه القضية ، وقد طرحت وجهة نظري تلك ، من خلال العمود الذي كنت أكتبه باسم (ومضة ) في جريدة (الأقصى) التي صدرت عن السلطة الوطنية مع بداية تكوينها ، حيث كتبت تحت عنوان : (رأي في "التطبيع" الثقافي) محذراً من التطبيع الثقافي العربي ، مع الموافقة المشروطة على الاتصالات التي كانت بين مثقفين فلسطينيين ـ مشهود لهم بالوطنية ـ ونظرائهم المتعاطفين مع الحقوق الفلسطينية ،وهو الرأي الذي يتلخص في الذي وافقني عليه الأديب والسياسي الكبير إميل حبيبي في العمود الذي كان يكتبه في نفس الجريدة باسم ( باق في حيفا ) حيث كتب بتاريخ 21/2/1995 تحت عنوان ( وما أدراك ما الغرض ) : (.. وأجدني متفقاً مع رأي الأستاذ محمد شريم في تعليقه الصادر في " الأقصى "يوم 6/2/95 من هذه القضية بالذات ، وهو أن يواظب المثقفون الفلسطينيون على ما يقومون به ...على أساس "إقرار تلك الجهات الثقافية الإسرائيلية بضرورة تحقيق الحد الأدنى من المطالب المشروعة للشعب العربي الفلسطيني") ، وأعني بذلك المطالب التي حددها المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 .
       أماما نراه اليوم من تهافت ـ لدى البعض ـ باتجاه منزلق " التطبيع " ، فإنه يتطلب منا الوقفة الجادة ، لوقف هذه العجلة ، وخاصة من بعض الإخوة العرب الذين يمارسون التطبيع بذرائع شتى ، وبعضها بحجة زيارة فلسطين ، التي في وجهة نظري لا مبرر لها في هذه الظروف مهما كانت الأسباب ،فمع أن الذي يدخل فلسطين هو مرحب به من أهلها ، ولكنه في حقيقة الأمر يدخلها من تحت حراب الاحتلال ، وكم يكون الأمر مسيئاً حينما نرى في اليوم التالي بعض هؤلاء وهم يجلسون في لقاءات ( تطبيعية )مباشرة في تل أبيب أو هرتسليا حتى لو لبست هذه اللقاءات قميصاً من حُسن النيّة كما يدعون!
------------------------------------------------------
http://www.alhadath.ps/…/%D8%B977-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84…