الجمعة، 28 أبريل 2017

قراءة الكاتب ميخائيل رشماوي لكتاب الشاعر شريم ( جواهر الحكمة ) المنشورة في موقع جريدة (الحدث).

قراءة الكاتب ميخائيل رشماوي لكتاب ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ) للشاعر محمد شريم التي نشرها موقع جريدة ( الحدث ) يوم الثلاثاء 25/4/2017:
_____________________________________________________________________

قراءة في ديوان (جواهر الحكمة) للشّاعر محمّد شريم




بقلم : ميخائيل رشماوي


الحدث الثقافي
      لم تُتح لي الفرصة لأحضر عرض ديوان الشّاعر محمّد شريم الّذي أطلق عليه اسم  (جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة) ، ولكن في لقاءٍ أدبيّ جمعني معه أهداني الدّيوان ، وجلست طويلًا مع الكتاب أتذوّق قصصه وحِكَمِه التي صِيغت بقالبٍ شعريّ ، وقد أحببتُ أن أكتبَ عن هذا الدّيوان ولو بنزرٍ قليلٍ من الكلمات ، ولا بدّ من القول في بداية عرضي أو رأيي في هذا الدّيوان  : أدهشتني الفكرة ، وقلتُ للشّاعر: أحقًّا ما قمتَ به ، أحقًّا حوّلت  النّثر (بقصصه المختلفة والعديدة)  إلى شعر؟ قال لي الشّاعر محمّد شريم : نعم فعلت.
      قرأت الكتاب كلمةً كلمة ، سطرًا سطرًا، صدرًا وعجزًا ، وأخذ منّي الكتاب وقتًا طويلًا مستمتعًا بأحاديثه وحكَمِه ، بفصاحة شعره ، وبساطة عرضِه  ، كلامٌ نثريّ تحوّل إلى نظمٍ شعريٍّ ، يا له من عملٍ يستحقُّ التّقدير! يستحقّ أن يُكتب عنه ، لذا  أردتُ أن أستعرض معكم فصول هذا الدّيوان .يبدأ الشّاعر بمقدّمةٍ شاملةٍ حوت السّبب الّذي جعله يحوّل كتاب كليلة ودمنة -المتضمّن قصصًا رواها بيدبا الفيلسوف لملكه – إلى شعر فيقول أنّ الّذي دفعه إلى هذا العمل:
أوّلًا:  إعجابه بالحكم الواردة في كتاب كليلة ودمنة (الأصل) والّذي ترجمه ابن المقفّع (أو هو مَن وضعه) فأراد شريم أنّ يستبدل حلاوة الشّعر بطلاوة النّثر، بكلام العصر لا بكلامٍ أخذ عليه الدّهر بعيدٍ عن متناول الجميع.
 ثانيًا: رغبتُه في بقاء هذا الكتاب عنصرًا هامًّا في مكتبة المثقّف العربي ؛ ليكون مرجِعًا لمن شاء من القرّاء، أكان من الخطباء أو الأدباء أو من الإعلاميّين ، أو من أهل الفن، أو من المربّين ، أو من الطّلبة أو...........ليجدَ فيه ضالتَه من الحِكَم بأبعادهاالثّقافيّة والتّربويّةٍ والاجتماعيّةٍ والسّياسيّةٍ ويعودَ إليها عندما تقتضي الضّرورة  في أيّة مناسبةٍ تُتاح.
 لقد اتّبع الشّاعر شريم خُطى شاعرين سابقين قاما بنظم كتاب (كليلة ودمنة ) شعرًا وهما شّاعران عبّاسيان. الأوّل هو أبان بن عبد الحميد الّلاحقي ، الّذي نظم الكتاب بإلحاحٍ من يحي بن خالد البرمكي بأن ينظم كتاب كليلة ودمنة َ شعرًا مقابل مكافأةٍ ماليّةٍ ، وجاء في مقدّمة كتابه المنظوم :
هذا كتابٌ أدبٍ ومحنة      وهو الّذي يُدعى كليلة ودمنة
 والثّاني ابن الهبارية ، وحسب ما يقوله الشّاعر محمّد شريم أنّهما نظما مقدّمة الكتاب شعرًا أيضًا ، ويعلّق على هذا الموضوع بإيراد سبب عدم نظم مقدّمة كتابه شعرًا كما فعل هذان الشّاعران أنّ النّثر أسهل في نقل الفكرةالتي تحمل الطّابع العلمي والعملي من الشّعر ، وأناأوافقُه على هذا الرّأي  .
 ثمّ يلجأ الشّاعر إلى شرح خطوات هذا العمل الجبّار الّذي أخذ منه جهدًا ووقتًا يزيد عن عشر سنواتٍ من العمل المتواصل . يا له من صبرٍ وجلدٍ لا مثيلَ له !  سنوات طويلة كان من الممكن أن يبدع في أعمالٍ شعريّةٍ أخرى أسهل وأقلّ جهدًا ووقتًا ، ولكن وضع أمامه هدفًا أراد أن يحقّقه ففعل .
 ثمّ يشرح الشّاعر الخطوات التي قام بها في إعداد كتابه ، من مراجعة  طبعات الكتاب الأصلومن إنجاز مُسوّدة نظْم الكتاب ، وما تبع ذلك منتدقيقٍ وتنقيحٍ وحذفٍ وإضافةٍ  واستعمال الحاسوب لتسجيل ما توصّل إليه ، وقد نوّع الشّاعر بين البحوروحروفِ الرّوي فارتأى أن يكون لكلِّ حكاية بحرُها ورويُّها الخاص ، وأن يكون البحر وحرف الرّوي في الحكاية الفرعيّة مختلفين عنهما في الحكاية الأم ، إلّا إذا كانت الحكاية الفرعيّة جزءًا لا يتجزّأ من الحكاية الأم .
 ويشرح لنا الشّاعر أقسام كتابِه، فقد بدأه بمقدّمة شرحتُ بعضًا منها ، ثمّ قام بعرض الحكايات بقالب الشّعر مع الأمثال والحكم التي احتوتها ، ثمّ انتقل إلى تصنيف (خزانة جواهر الحكمة) حيث جمع فيه الحكم الشّعريّة التي اقتطفها من الحكايات والأمثال،ثمّ إلى التّصنيف المسمّى ( صناديق  جواهر الحكمة) والمرتّبة ترتيبًا هجائيًّا وفق حروفِ أسمائِها  ، وبهذه الصّناديق مع مفاتيحها يستطيع القارئ أن يعود إلى كلِّحكمةٍ وردت في خزانة جواهر الحكمة وبالموضوع الّذي يريده .
 ولا بدّ أن أشير إلى أنّ بعض الحكايات احتاجت إلى الكثير من الأبيات ، ولكم أنْ تتصوّروا مقدار الجهد الّذي بذله الشّاعر في إخراج هذا المولود إلى الحياة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ( باب الجرذ والسّنّور) زاد عن مئة وعشرين بيتًا ،أمّا باب الأسد والثّور،وهو أكبرُ الأبواب فقد زاد عن المئتين وخمسين بيتًا، وغيرها كثرٌ من الأبواب الأخرى .
 إنّ هذا الدّيوان بما فيه من سردٍ للأبيات بطريقةٍ سهلةٍ على القارئ ، وتفسيرٍ لكثيرٍ من المفردات في أسفل الصّفحةِ  يُعتبرُ مرجعًا هامًّا  لمتذوّقي الشّعر ، وللمستمتعينبالحكم التي وردت فيه ، ولذا من الضّروري أن أختار بعض الحكم كخاتمةٍ لهذا العرض:
1-لا تفنَ حزنًا ليس فقرُكَ وصمةً  كم أكرموا رجلًا بغيرِ غناءِ
فالأُسُدُ تفرضُ هيبةً بربوضِها وترى غنيًّا مُزدرًى كغثاء
والكلبُ  والذّهبُ المرصّعُ طوقُه لن يُكرموه لطوقهِ الّلألاءِ
2-والخلُّ يقطعُه الخليلُ لفقرهِ ويصيرُ ممقوتًا من الرّفقاءِ
3-ومَن يجهلِ النّقسَ ثمّ العدوّ وقاتلَ في حالِ ضعفٍ خسر
4-تهونُ صعوبةُ لذعِ الجمارِأمامَ صداقةِ خِلٍّ فجَرْ
5- كم كانَ سهلًا أن نفوزَ بمطلبٍ  ومن الصّعوبةِ حِفظهُبثباتِ
6- كم جاهلٍ ساقه جهلٌ إلى عملٍ  ما كانَ يُتْقِنُه فاستجلبَ العَطَبا
هذا غيضٌ من فيض حِكمٍ  حواه الدّيوان  ، ومَن يريدُ الاستزادة فليرجع له ، ليستمتعَ أكثر منها ومن القصص التي نُسِجت شعرًا سهلًا ليّنًا ومستساغًا ، وكل التّقدير للشّاعر على هذا الجهد ، وإلى مزيدٍ من العطاء .

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

إشارة : عن أحمد دحبور وحيفاه !

مقالة الشاعر محمد شريم ( إشارة ) التي نشرتها جريدة ( الحدث ) في عددها ( 84 ) الصادر يوم الثلاثاء 18/4/2017 ص 17 وموقعها الإلكتروني ، وهي تحت عنوان : عن أحمد دحبور وحيفاه ! .
---------------------------------------------------------------



إشارة :
                                  عن أحمد دحبور وحيفاه !
                                                                              
 بقلم : محمد شريم
قال شاعرنا محمود درويش مقولته الشهيرة : ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة : تردد إبريل .. ) ، وهذا صحيح ، ولكن شهر إبريل ، أو ما يسمى باسم ( نيسان ) في بلاد الشام ، ومنها فلسطين ، قد عاد في هذا العام ليس بنضارة الحياة التي تبدو في أزهار الأقحوان وشقائق النعمان فحسب ، بل بغمامة من الأحزان ، كدّرت نفوس عشاق الشعر والأدب من الفلسطينيين والعرب ، وأحباب الشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور .
     فما أن انتصف نهار التاسع من شهر نيسان من هذا العام (2017 ) حتى كان جمع من المثقفين ورجال السياسة والمجتمع ، يوارون على ضوء نهار بائس وشمس حزينة جثمان الشاعر الفلسطيني الفقيد ، وذلك في اليوم التالي لوفاته ، وهو الذي أقسم ذات يوم ، في أغنية كتبها ،على أن يزرع ( غصن اللوز الأخضر ) كرمز للحياة.
      وبرحيل هذا الشاعر المبدع تكون الساحة الثقافية الفلسطينية ، قد فقدت ركناً شامخاً من أركانها ، وعلماً من أعلامها ، وهو الذي كتب لفلسطين ، وأنشد للثورة ، حتى أضحت كلماته أغنيات تتردد على ألسنة الثوار وشفاه الأحرار .
    والمتابع لسيرة ومسيرة شاعرنا الذي ولد قبل واحد وسبعين عاماً في حيفا ، قبل أن يغادر ( حيفاه ) مع أفراد أسرته ، في سن العامين لاجئاً إلى لبنان ـ بدل إطفاء شمعتي عيد ميلاده كما قال متحسراً ـ ومن لبنان إلى حمص ، يدرك أن هذا الشاعر يجسد حياة الإنسان الفلسطيني اللاجئ بكل أبعادها ، فهي تعكس التشرد والألم والفقر، كما أنها تعكس الانتماء والثبات والعطاء ، فكان لهذا المزيج من المسميات ـ التي التقت في حياة الشاعر ـ أن يجعل منه رمزاً للعصامية ، من ناحية ، وهو الذي لم يتهيأ له من التعليم النظامي الكثير ، فعمل على تثقيف نفسه ذاتياً ، كما جعل مزيج المسميات هذامن شاعرنا أحمد دحبور رمزاً للإبداع والوفاء من ناحية أخرى
       ولعل ثقل هذه الحياة الممزوجة بمرارة اللجوءهو ما تعكسه بوضوح عناوين مجموعاته الشعرية التي صدرت على مدى عطائه المديد، حيث يمكننا أن نتبين ـ بغير عناء ـ مدى الإيحاء الذي تعطيه عناوين مجموعاته الشعرية عما تتضمنه هذه المجموعات من انعكاس لحياة الإنسان الفلسطيني الشريد الطريد : ( الضواري وعيون الأطفال ) ، ( حكاية الولد الفلسطيني ) ، ( طائر الوحدات ) ، ليس هذا فقط ، بل إن أسماء بعض تلك المجموعات الشعرية تعكس الحالة الشعورية التي انتابت المشرد الفلسطيني وحالة الضياع التي كان يشعر بها نهاراً ، وتؤرقه ليلاً ، في البحار والقفار ، حيثما سار وأينمااتجه : ( اختلاط الليل والنهار ) ، ( واحد وعشرون بحراً ) ، ( هنا وهناك ) ، ليصل من خلال هذه العناوين إلى النتيجة المعروفة منذ البداية ، والتي يعكسها عنوان مجموعة الشعرية ـ المتأخرة ـ التي تشير إلى أن جيل الشاعر هو ( جيل الذبيحة ) !
      ومع هذا ، فقد قُدّر لأحمد دحبور أن يتخلص ـ ولو جزئياً ـ من حالة الشتات والضياع ، وذلك بعودته إلى ( الجزء المتاح من الوطن ) كما أراد أن يصف عودته ، ليس ذلك فقط ، بل إن الحظ ساعده ، في هذا الليل العربي الدامس ، ليل الهزائم المتلاحقة،على أن يصل إلى محبوبته ( حيفا ) دون أن يعود إليها ، كما وصف زيارته لها ، ولكن ذلك كله لم يخلص شاعرنا مما كان يعانيه ، حتى لحظاته الأخيرة ، وهو علمه المؤكد ـ على اعتبار ما يراه ـ بأنه لن يحظى بما حظي به إميل حبيبي ، وهو أن يدفن في ثرى مدينته الأم ، وأن يكتب على ضريحه : باق في حيفا! 
---------------------------------------------------------------
لقراءة النص عن موقع الحدث :
https://www.alhadath.ps/category/178/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%85%D9%88%D9%86-

الأربعاء، 12 أبريل 2017

"بيدبا"الفلسطيني الشاعر محمد شريم يصدر ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ).



التقرير الذي نشرته مجلة ( أقلام مقاومة ) الفصلية الصادرة في ( دمشق ) عن كتاب الشاعر محمد شريم ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ) وذلك في عددها الرابع الذي صدر في شهر آذار 2017. والتقرير من إعداد الكاتبة والصحفية عبير الفتال .
التقرير بعنوان :
"بيدبا"الفلسطيني الشاعر محمد شريم يصدر ( جواهر الحكمة في نظم كليلة ودمنة ) 

--------------------------------------------------------------------------------









الخميس، 6 أبريل 2017

إشارة : الحضور الثقافي في مشهد الصراع .


مقالة الشاعر محمد شريم ( إشارة ) التي نشرتها جريدة ( الحدث ) الورقية يوم الثلاثاء 4/4/2017 ص19 وموقعها الإلكتروني ، وهي بعنوان : ( الحضور الثقافي في مشهد الصراع  ) .

-----------------------------------------------------------------
إشارة :


                      الحضور الثقافي في مشهد الصراع.

                                                                        بقلم: محمد شريم


      منذ بدء الصراع العربي الصهيوني على أرض فلسطين ، أخذ هذا الصراع مكانه في العديد من ساحات ـ أو فلنقل جبهات ـ المواجهة ، ومن بين هذه الساحات : التاريخ ، التراث ، الثقافة والأدب ، وحتى اللغة إلى حدّ معين ، ولا أستطيع أن أقول إن الدين كان عن ساحة الصراع ببعيد ، وليس ما هو أدل على ذلك من قانون منع الأذان ( أو قانون المؤذن ) الذي فصّل ليستثني صفارة يوم السبت ، وهذا كله ما يمكن لنا أن نصنفه تحت عنوان أعم ، وهو الصراع على الهوية ، أي هوية هذه الأرض ، والتي هي المحور الأساس في هذا الصراعالأشمل الذي يفضل السياسيون أن يطلقوا عليه ( الصراع العربي الإسرائيلي ) .
       وما دامت الأرض هي المستهدفة ،فقد كان من الطبيعي أن تتعرض أرض فلسطين لهذه الهجمات المتتالية التي استهدفت هذه الأرض منذ أواخر القرن التاسع عشر مروراً بحرب النكبة وما تلاها وحتى وقتنا الحاضر .
       وفي لحظة من لحظات هذا الصراع الطويل ، والمرير ، كان لا بُدّ وأن تأتي اللحظة التي تُجسّد بصورة رمزية التصاق الإنسان العربي الفلسطيني بأرضه وتشبثه بها ، كتشبث أشجار الزيتون بهذه الأرض التي غدت فيها رمزاً للسلام المفقود على أرضها ، منذ فجر التاريخ ، فجاءت تلك اللحظة مترافقة مع الهبة الجماهيرية  التي وقعت في الثلاثين من آذار عام 1976 في القرى والتجمعات العربية الفلسطينية داخل ما يعرف بالخط الأخضر ، والتي استشهد فيها ستة مواطنين وأصيب غيرهم الكثير.
       وفي خضم الأحداث المرافقة لموجات استهداف الأرض المتتابعة ، لم يقف المثقف الفلسطيني ، والعربي ، بعيداً عن مشهد الصراع مع الحركة الصهيونية ، بل كان على الدوام جزءاً منه ، وفعّالاً فيه ، فإذا كانت الهوية محوراً أساسياً في هذا الصراع ، فمن الطبيعي ، بل من الضرورة أن يكون الأدب ، وغيره من صنوف الثقافة والفكر حاضراً في مشهده  ، لأن قلم الكاتب ، وريشة الرسام ، وحنجرة المغني ، وآلة العازف هي الأدوات التي يتبارز بها الجمعان في معركة الصراع على الهوية ، ولهذا نظم الشعراء في حب الأرض أبدع القصائد ، وسطر الكتاب أجمل المؤلفات ، وردد المغنون أروع الأغنيات ، وعزف الموسيقيون أعذب الألحان ، وأبدع الرسامون بالألوان أجمل اللوحات !           
   والمتابع للحركة الثقافية الفلسطينية ـ والعربية المنخرطة في الحالة الفلسطينية ـ يجد أن الإبداعات الثقافية التي تتعلق بالأرض الفلسطينية والصراع الذي يدور عليها ، ولأجلها ، لا تتناول واقع الصراع بجانبه المباشر فقط ، وهو الصدام العسكري أو الثوري ، كوصف المعارك التي يخوضها طرفا الصراع ـ المحتل والمقاوم للاحتلال ـ للسيطرة على هذه الأرض وما ينبثق عن هذا الوصف من المثل السامية والأفكار النبيلة كتمجيد الشهادة ، وتخليد الشهيد ، وتثمين التضحية ، بل إن هذه الإبداعات تتناول واقع الصراع على الأرض بجوانبه غير المباشرة أيضاً ، كتأكيد ارتباط الإنسان بأرضه ، وحرصه على التمسك بها ، وإعلاء قيمة العمل فيها ، وإبراز مواصفاتها الجمالية بشجرها النضير ، ونباتها الكثير ، وأزهارها الجميلة ،  وصخورها الظليلة ، وثراها العطِر ، وطيورها الغرّيدة وحيواناتها العديدة.
            ومن هنا ، فإن وجود الأرض ، كلفظة وفكرة ، سيبقى حاضراً بقوة في مكونات الثقافة الفلسطينية ما بقي الصراع على هذه الأرض قائماً ، وحتى عندما يُحلُّ هذا الصراع وينتهي ، بإحدى الطرق التي ترويها كتب التاريخ عن إنهاء الصراعات ، فإنني أعتقد أن الأرض ستبقى أيضاً عنصراً حاضراً في ثقافتنا وأدبنا ، ليس من أجل إحياء الأرض وإحسان استغلالها فقط ، بل لأن كيان الإنسان ، أي إنسان ، لا يمكن له أن يخرج من حيز الزمان والمكان ، وأعني الزمان الذي يحيا فيه ،  والمكان الذي ينتمي إليه وهو الأرض التي يعيش عليها !
-------------------------------------------------------
لقراءة المقالة عن الجريدة الورقية :
http://www.alhadath.ps/files/server/issue83/Alhadth-Issue83.pdf
لقراءة المقالة عن الموقع الإلكتروني :
http://www.alhadath.ps/article/55701/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B4%D9%87%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9--%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85--%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%85