الثلاثاء، 1 نوفمبر 2016

رثائيّات على ضريح " مجنون " !

جَاؤوا جَمِيْعاً عِنْدَ ساعَةِ دَفْنِهِ
والكُلُّ يُظْهِرُ حُزْنَهُ
وَيَلُوْمُ !
وَتَبَرَّعُوا بِدُمُوعِهِمْ ،
وَتَطَوَّعُوا بِشُعورِهِمْ ،
والبَعْضُ يَعْمَلُ فِي الحُكومَةِ ... فَجْأَةً ...
وَصَلَ المَقابِرَ مُرْغَماً .. وَيَدُعُّهُ مَرْسُوْمُ ..
والكُلُّ قَدْ
خَبِرَ الخَطابَةَ يَوْمَها ،
وَأَتى بِقَوْلٍ بَعْضُهُ مَفْهُوْمُ ..
فَكَبِيْرُ أَهْلِ الحَيِّ صَاحَ مُؤبِّناً :
كَمْ قَدْ هَرَبْنا مِنْكَ لَكِنَّا هُنا
جِئْنا جَمِيْعَاً مُعْلِنِيْنَ وَفاءَنا
وَالكُلُّ مِنَّا قَلْبُهُ مَكْلُوْمُ !
نَمْ هانِئاً..
يا أَيُّها المَرْحومُ !
وَقَفَ المُرَبِّيْ لِلْخَطابَةِ بَعْدَهُ ،
لِيَقُوْلَ كَمْ كُنَّا قُساةً عِنْدَما
كُنّا نُوَجِّهُ جَاهِلِيْنَ كَلامَنا ..
لَكِنَّنا
نَلْقاكَ فِيْ هذا المَقامِ بِرَحْمَةٍ
فارأَفْ بِنا
يا صَاحِ واغْفِرْ ذَنْبَنا ..
وَلْتَسْتَمِعْ ..
هذا ـ لأَجْلِكَ ـ شِعْرُنا المَنْظُوْمُ !
نَمْ هانِئاً ..
يا أَيُّها المَرْحومُ !
وَأَتى المَقامَ فَتىً وأَلْقى زَهْرةً ،
فَوْقَ الضَّريْحِ وَقَالَ بَعْدُ مُخاطِباً :
كَمْ قَدْ صَرَخْنا : هَا هُوَ " المَجْنونُ " !
والبَعْضُ يَسْخَرُ مِنْكَ أَوْ قَذَفَ الحَصى ..
فَاغْفِرْ لَنا ..
تُبْنا وَإِنّا فَوْقَ قَبْرِكَ نَنْحَني ..
وَنَقُوْمُ ..
وَنُرَتِّبُ الأَزْهارَ حُبَّاً ثُمَّ نَزْرَعُ قُرْبَها
شَجَراً عَلَيْهِ يُغَرِّدُ الحَسُّوْنُ !
نَمْ هانِئاً ..
يا أَيُّها المَرْحُوْمُ !
وَأَتَى خَطِيْبٌ بَعْدَهُ ..
يَبْدُوْ جَلِيَّاً أَنَّهُ مَغْمُوْمُ ..
قَالَ الخَطِيْبُ مُتَمْتِماً بِتَحَسُّرٍ :
كَانَتْ ثِيابُكَ رَثَّةً ..
يا صَاحِبِيْ ..
لا بَأْسَ قَدْ عَرَفَ الجَمِيْعُ قُصُوْرَهُ ..
هَا أَنْتَ بِالكَفَنِ الثَّمِيْنِ .. مُرَفَّهٌ ..
فَمَعَ الغَوالِيْ سِعْرُهُ مَرْقُوْمُ ..
فَمُبارَكٌ غالِي القِماشِ .. مُبارَكٌ ..
نَمْ هَانِئاً
يَا أَيُّها المَرْحُوْمُ !
إِذْ ذَاكَ شَيْخُ الحَيِّ صَاحَ مُخَاطِباً ،
بِتَوَدُّدٍ :
كَمْ جُعْتَ أَنْتَ صَدِيْقَنا ..
وَحَبِيْبَنا ..
وَمَشَيْتَ فِي أسْواقِنا مُتَضَوِّراً ..
والكُلُّ يَعْرِفُ أَنَّكَ المَأْزُوْمُ !
أَبْشِرْ .. فَإِنَّا سَوْفَ نَذْبَحُ عَنْزَةً ..
مُتَصَدِّقِيْنَ .. لِأَجْلِ رُوْحِكَ يا أَخِيْ ..
كَيْ يَأْكُلَ المَحْرُوْمُ !
نَمْ هانِئاً ..
يَا أَيُّها المَرْحُومُ !
وَأَضافَ آخَرُ قَائلاً :
يا وَيْحَنا !
كَمْ سِرْتَ بِالعَطَشِ الشَّدِيْدِ أَمَامَنا ..
وَلِغَيْرِ فَرْضِ الصَّوْمِ .. كُنْتَ تَصُوْمُ !
وَلِذا فَإِنّا عازِمُوْنَ .. بِجِدِّنا ..
أَنْ نَقْصِدَ التَّكْفِيْرَ عَنْ أَخْطائنا ..
وَلَسَوْفَ نَزْرَعُ وَرْدَةً قُرْبَ الضَّرِيْحِ بِيَوْمِنا
وَهُنا .. سَنَجْعَلُ قُرْبَها ..
ماءً يَصُبُّ بِبِرْكَةٍ ..
وَمُلَوَّنُ الأَسْمَاكِ فِيْهِ يَعُوْمُ !
فَانْعَمْ بِهِ ..
يَا أَيُّها المَرْحُوْمُ !
وَأَتَى مِنَ الإِعْلامِ صَاحِبُ نَبْرَةٍ
مَحْزُوْنَةٍ ..
وَالدَّمْعُ بَلَّلَ خَدَّهُ ..
أَلْقَى السَّلامَ .. وَقَالَ بَعْدَ تَرَدُّدٍ :
لَمْ نَلْتَفِتْ يَوْماً إِلَيْكَ بِوَعْيِنا ..
وَلَكَمْ أَشَحْنا الوَجْهَ عَنْكَ لِجَهْلِنا ..
لَمْ يَرْتَفِعْ بِأَثِيْرِنا ..
لَمْ يَنْطَبِعْ بِمِدَادِنا ..
فِيْ أَيِّ يَوْمٍ صَوْتُكَ المَكْتُوْمُ !
لَكِنَّنا جِئْنا نُكَفِّرُ هَاهُنا ..
عَنْ ذَنْبِنا ..
وَنَتُوْبُ ..
وَالشَّعْبُ قَدْ سَمِعَ الحِكايَةَ كُلَّها ..
واليَوْمَ أَمْرُكَ كُلُّهُ مَعْلُوْمُ !
فَاسْعَدْ بِقَبْرِكَ أَيُّها المَرْحُوْمُ !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق