[ كما نشرها موقع صحيفة ( الحدث ) الفلسطينية بتاريخ 29/9/2016 ] ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة : هل ( المكتبة الوطنية ) لا بواكي لها ؟!بقلم : محمد شريم
من الصعب
أن تجد دولة في أيامنا هذه تقدّر الثقافة والعلوم حقّ قدرهما ، وتدرك ما للكتاب
وسائر المنشورات المقروءة والمرئية والمسموعة من الأهمية ، ولا تعمل جاهدة على إنشاء
مكتبة وطنية تكون مهمتها العمل على حفظ التراث الفكري الوطني لشعبها ، وذلك من
خلال جمع وحفظ نُسَخ من جميع المطبوعات والمخطوطات والنتاجات الإبداعية والثقافية
القديمة والمعاصرة التي أنجزها وينجزها أبناء هذا الشعب ـ سواء أكان ذلك داخل حدود
الدولة أو خارجها ـ ويكون من مهمة هذه المكتبة أيضاً حفظ جميع ما يكتب وينتج عن
الدولة في الخارج بمختلف اللغات ، كما يكون من ضمن هذه المهمة تطبيق نظام الإيداع
القانوني للمصنفات ، والحدّ من فوضى النشر، وأخذ الدور المنوط بها في سبيل تطبيق
قانون حق المؤلف .
ولم يكن من باب الصدفة أن سبع عشرة
دولة عربية على الأقل ـ كما أعلم ـ من بين اثنتين وعشرين دولة ـ على الرغم مما
يمكن أن يقال في الأنظمة ـ قد حققت هذا الاستحقاق الثقافي الوطني ، فقامت كل منها
بتأسيس مكتبة وطنية للقطر الذي تعمل على إدارته .
ومن هنا ، فإنني أرى ، وترون معي ،
أننا كشعب فلسطين أولى الناس بالحرص على تأسيس مكتبة وطنية فلسطينية لتقوم بمهامها
التي توكل إليها بموجب القانون والأنظمة التي توضع لهذا الشأن ، ليس فقط لأننا
نمتلك إرثاً ثقافياً وفكرياً يستحق الاحترام ، بل لأننا نواجه بفعل الصراع الذي
يخوضه شعبنا منذ عشرات السنين من يعمل ـ بذكاء ـ على توظيف إرثنا الفكري والحضاري
لخدمة أهدافه في هذا الصراع ، وأعني بذلك الحركة الصهيونية .
ويكفي للدلالة على هذا الأمر ، أن نستذكر
أعمال نهب المكتبات الفلسطينية الخاصة والعامة أثناء النكبة ، والتي طالت عشرات
الآلاف من الكتب ، التي تعود ملكيتها لكتاب وأدباء وعائلات فلسطينية ومؤسسات
ومساجد وكنائس، ومنها المكتبة الخاصة بالأديب الفلسطيني الكبير خليل السكاكيني ،
ومكتبة عائلة النشاشيبي في القدس الشريف ، حيث يوجد كنز مؤلف من ثمانية آلاف كتاب
في ( المكتبة الوطنية الإسرائيلية ) تحمل اسم " ممتلكات متروكة " أو
عبارة " القيّم على أملاك الغائبين " .
وقد تنبه بعض المثقفين الفلسطينيين
لهذا الأمر ، وأعني تأسيس مكتبة وطنية فلسطينية ، وبناء على ذلك أصدر الرئيس ياسر
عرفات ـ رحمه الله ـ في العام 1997 قراراً بإنشاء ( دار الكتب الوطنية الفلسطينية
) ، وَوَضَعَ حجر الأساس لها ـ كما علمت ـ في حي الرمال بمدينة غزة في 1/1/2000م ،
ولكن يبدو أن ما تلا ذلك من الأحداث قد ألقى بظلاله على ديمومة العمل وتطور الفكرة
.
ومع ذلك ، لم تبق الفكرة بعيدة عن
وجدان وطموح المثقف الفلسطيني ، فقد صرح وزير الثقافة الدكتور إيهاب بسيسو مؤخراً
أن وزارة الثقافة قدمت مسودة قانون لإنشاء مكتبة وطنية فلسطينية ، وأن الإجراء
القانوني مستمر في مجلس الوزراء ، وأن الوزارة قد بحثت مع مسؤولين أردنيين ومغاربة
ضرورة دعمهم لهذا المشروع .
إن الواجب الوطني ، والحس الثقافي ،
يحتمان علينا أن نثمن كل توجه تم في الماضي ، أو يجري العمل بموجبه في الحاضر
لإنجاز هذا الصرح الثقافي ليقوم بدوره المنتظر منه ، وإنني أعتبر هذه السطور جزءاً
من التيار الثقافي العام الداعم لجهود
الذين يعملون ضمن هذا التوجه ، ولكننا إلى
جانب ذلك نتساءل عن السبب الذي يحول حتى الآن بيننا وبين أن نضع هذه الفكرة بالفعل
موضع التنفيذ ، على الرغم من مرور اثنين وعشرين عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينية
، تم خلالها بناء وإنشاء الكثير من المؤسسات ، حتى أعلنا ـ ونعلن ـ أننا قد أقمنا
كافة المؤسسات اللازمة لتقوم الدولة من خلالها بأداء مهامها .
إننا نتمنى على أصحاب القرار أن يكون
حرصهم على إقامة مؤسسات الدولة غير مقتصر على مؤسسات المال والأعمال ومؤسسات تسيير
الاحتياجات اليومية الملحّة فقط ، بل أن يشمل ذلك مؤسسات الثقافة أيضاً ، ومن
أهمها المكتبة الوطنية التي ينتظرها مثقفونا ومبدعونا باعتبارها صرحاً مادياً يجسد
الكيان الثقافي الفلسطيني .
وبناء عليه ، فإن من غير الحكمة ـ إضافة إلى أنه من عدم الإنصاف ـ التراخي
بشأن إنشاء ( المكتبة الوطنية ) والنظر إليها على أنها مؤسسة كمالية إذا أنشئت
فذلك خير ، وإن لم تُنشأ فلا بواكي لها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق